من الفكر تنبع الأمورللإبداع والإبتكار...
خلق الله من وجوده وجود، وهو الكون،
والكون مسيّر بحسب نظام الشريعة الإلهية، وكل هذا النظام في الكون له
مدبّر ومتحكّم به،فمن المستحيل أن يتحرّك أي مخلوق من تلقاء نفسه،والكون يظهر
نظامًا صارمًا دقيقًا، فلا بدّ أن يكون له مصمّم، يرعاه،والله الذي خلق الكون
هو فوق الكون.
إذاً، لهذا الكون شريعة، وهي التي ترعى كل ما كوّنه الله، والتي تنظم
جميع المخلوقات ،بأحكام ،فرائض ،طريقة، ومنهج الحياة، وأهدافها هي
لحفظ حق كل مخلوق في الحياة.وبهذه الشريعة سيعرف كل إنسان نفسه ويحدّد
موقعه في الحياة تِبعاً لإختياره. اذ ليس عبر صورة الجسد فقط بل بمضمونها.
إذاً، الشريعة هي عامة
وشاملة ،تحكم جميع مخلوقات الله والكل مسيّر لها بحسب النظام الملكي. ما عدا
نفس الإنسان، فقد خلق الله له نفساً إنسانيةً، واعطاه الحرية أن يختار
وجوده من وجودها.وقد خلق الله الإنسان ،بعدما حملت جميع مخلوقاته ثمار شرائعها،
ومارست طقوس نظام الشعائر الدينية،التي بدورها
أدّت لوجود الانسان وحضوره.فالانسان ليس
اول مخلوق ،ولكنه اتى بعدما خلق الله جميع مخلوقاته ،ونظمها بالشريعة ،وحملت ثمار
شرائعها ومارست طقوس نظام الشعائر الدينية، فلو لم يكن يوجد طبيعة أو حيوانات
اثمروا بحسب الشريعة، لما كان وجد الإنسان!!!إذا من ثمار الطبيعة والحيوانات وطقوسها
الدينية وُجد الإنسان.وان كافة حقوقه الحياتية مؤمّنة وهي كلها شرائع، أحكام وفرائض الله.
وماعلى الإنسان إلاّ أن يختار شخصيته من
مخلوقات الله، وهذا لأنه لا يمكنه أن يختارهامن شيء لا وجود له، عندها يقرر من
يريد أن يكون.
لذلك، الإنسان له حرية الإختيار لكي يكوّن
ذاته التي لا يوجد لها بعد كيان، وطبعاً من الوجود والموجود سيؤسّس ويكوّن
ذاته.
إذاً الإنسان فقط الذي يحق له أن يكوّن
شخصية خاصة به مما خلقه الله ،ويتأمل بكل خلقه ،وكيفية اتّباعه لأحكام وفرائض
الشريعة. لنفترض بأن الإنسان أتى اولاً فـبـمـن كان سيقتدي ليكوّن ذاته
الشخصية؟!!!
الانسان مثل كافة المخلوقات له شرائع،ولكن
الفرق بين الإنسان وبينها، بأن لديه نفساً،وهذه النفس ،لديها الحرية في اختيار
الشخصية التي تريدها لجميع المخلوقات، وعندها يصير لها كيان إنساني. والإنسان
يتعلّم منها وليس العكس.وكما يتعلّم من الوجود الكياني، هكذا يمكنه أن يكتشف
ويتعلّم من الوجود النوراني.
وعندما يكتمل بناء شخصيته،يصبح جاهزاً
للإعلان عنها ،فيظهر أعمال ثمار الشعائر الدينية،ويبدأ ممارسة طقوسها. عندها أقول
بأنه شخص ديني، إذاً الشخص لا يكون دينياً بكلامه فقط،بل بتأدية دوره الشرعي
التكويني الذي شرّعه الله له.
عندها يصير ضمن النظام الكوني.
وكل ألاحكام والفرائض لها شريعة، وهذه
الشريعة هي لجميع
الشّؤون الحياتيّة، ولكافّة الأعمار والأجناس، غير قابلة للتغيير،واقعيّة معتدلة،
تراعي النّاس وظروفهم وتعطي كل ذي حق حقّه.أنّها صالحة لكل مكان وزمان لكل البشر،والإنسان
له حرية القرار من يريد أن يكون، وعندما يكوّن شخصيته التي اختارها عندها سيعرف من
يكون.
أحكام الشريعة وفرائضها.
تضم الشريعة مجموعة من الأحكام،لذلك العقيدة ليست مثل
الشريعة، لأنكم، إن اتّبعتم العقيدة تجاهلتم الشريعة، وهذا ما تتوارثه
نفس الإنسان من عادات،وعقائد وممارسات ،أساليب ،سلوك، ومظاهر عامة.
الله خلقكم متشابهين بالتكوين ولكن ليس بالأفكار، التي منها
ستكوّنون ذاتكم بها، لذلك تكوين أجسادكم يسير بحسب نظام الخلق وهو مسيّر، ما عدا
النفس فهي مخيّرة وهي تختار النظام الإنساني الذي تريده لها.
لذلك كل نفس تختار دينها من إنسانيتها، وتمارسه وفقاً للشريعة
،وتتطور به فهو حريتها المكتسبة من الله. بذلك تكون انت لنفسكَ، ونفسك لكَ من دون
أن تتقيّدبالعادات المتوارثة التي يقلّد فيها الخلفُ السلفَ بأساليب عيشه وسلوكه
ومظاهره العامة.
لذلك ،البشر وضعوا قانوناً لمحاسبة تصرفاتهم، كما لكل بلد يوجد
ما يسمى بالدستور اي مجموعة قوانين عامة ،لكل سكان هذا البلد دون سواه، وقوانين
خاصة تعنى بشؤون أهل هذا البلد ،أي قوانين تجارية جزائية اقتصادية ... كما أيضاً توجد
تقاليد تتبعها شعوب دون أخرى ،وعقائد ومفاهيم تختلف من بلد الى آخر. وكل هذا قابل
للتغيير وفقاً للحاجات والتطور الفكري. وتحذف قوانين، تلغى أحكام ،تمحى معتقدات
وتقاليد، وتأتي غيرها ،قوانين غير ثابتة تتبدل حسب الظروف.
أما شريعة الله فهي غير قابلة للتغيير
والتبديل... وهي طبيعته الإلهية وهي ثابتة،لذلك أعطى الله للنفس الحرية
لتكوين شخصيتها، بها تكون أو لا تكون. يعني هي التي تحاسب ذاتها،وبذلك تثبت وجودها
الكوني على الأرض، وهذا التكوين عندما تثبت به يكون دينها، لذلك يقع على الإنسان
مسوؤلية اختياره في التدّين.
مثلاً: هل النملة تتوقف عن جرّ البذرة إلى
جحرها، هل المياه تتوقف عن اروائنا، هل الشجرة تتوقف عن حمل الثمار، هل الحصان
يمتنع عن الصهيل، هل النحلة تتوقف عن أخذ الرحيق من الزهرة، هل يتوقف الإنسان عن
النوم، عن العمل، عن الأكل، هل جميع الأجساد تتوقف عن وظائفها ...ومهما اختلفت الصورة
الإنسانية بالتشابه إلا أن التكوين يبقى واحداً ومصدره واحداً والكل يقوم بالعمل
بحسب الوظيفة المسلمة له كالعين ألا تقوم بوظيفتها بحسب الشريعة المعطاة لها؟
الأنف...
وكل هذه الأعضاء
بالجسد تتشارك وتتكاتف بالعمل الواحد ضمن شريعة عامة فلا الأذن تشتهي أن تكون عيناً
ولا الفم أن يكون أذناً...أو اللسان أو الفكر أو العقل يقدر أن يبدل نظام الشريعة
المعطاة لهم، اذا إنه نظام ثابت له شرائعه الحياتية، وكلٍ منهم يقوم بطقوسيته في
الشعائر الدينية.
إذاً، مهما كان
لونك وعاداتك ومعتقداتك ومذاهبك وطوائفك وإنتماءاتك الجغرافية والاجتماعية
والبيئية... أنت تسير بحسب الشريعة ،وجميع المخلوقات تعمل وظيفتها بانتظام بهدوء،
وهذا النظام كامل في جسدك من دون تذمر أو تأفف بهدؤ تام دون الإبطاء بها. شريعة
خاصة وشاملة بكل عضو من أعضاء الأجساد كافة التي خلقها الله وهي تنظمّ العلاقة
بينها.إذاً كل مخلوق يقوم بطقوس الشعائر الدينية ،ولكي تبقى النفس بضمن الشريعة
يجب أن تحسن تطبيقها.
في المبدأ
هذه كلها شريعة للجسد، لكي يستمر بالقيام بمهمته لتختار النفس شخصيتها. نعم،
الإنسان هو شخصية غامضة إلى أن يقرر من يريد أن يكون.
إذاً من ضمن هذه الشريعة بأن تملك أنت لنفسك،
ولا أحد سواك يملك لكَ.
وإذا ملكت القليل أقامك الله على الكثير، عندها
تسمى ،ولي العهد،الذي يكتب للناس، ويأمرهم بإجراء العدل،في كيفية التعاون من
أجل التكوين الذاتي،وهكذا يصبح عهد جديد، أي حكم جديد إلهي ،لأن الذي
ملكته منه ملكت به. إذاً لن تختلف الحقائق ما دام مصدر
الشرائع واحداً.
لذلك من ضمن هذه الشرائع الجسد والنفس
والروح.
الروح موجودة وكل ما هو بالجسد من خلالها
مستمر.
خُلق الجسد وشريعته في الحياة موجودة أي
العين لترى، الأنف ليشم، الفم ليأكل واللسان ليتكلم... كل ما هو في الجسد له
مهامه، والكل يتعاونون من أجل أن يبقى الجسد قائماً.
أما النفس فهي نفس إنسانية موجودة في
الجسد ،إلى أن تأخذ صفة شخصية من تريد أن تكون.لذلك الجسد هو كيان كامل من الخلق
يؤمّن لها وجودها الشخصي الإنساني.
وكما خلق الله الطبيعة والحيوان قبل
الإنسان، هكذا خلق الجسد،قبل أن تخلق النفس الإنسانية شخصيتها الخاصة بها.
إذاً النفس الإنسانية هي الحرية.
من الممكن ان تشتهي النفس من
انسانيتها لتكوّن شخصية خاصة بها، وهذه شريعة مكتسبة من الله، إذاً الإنسانية
أيضاً في خدمتها،وجميع المخلوقات هي لخدمة النفس الإنسانية.
إذاً للنفس التي تريد أن تكوّن ذاتها من
الإنسانية شخصية خاصة، لها شرائع المواهب الروحية. وكما من الخارج كذلك من الداخل.
ومن هذا التكوين الخاص: المهن، الحرف،
الهوايات، المواهب... التي تختارها النفس،وتشتهي أعمالها وتصرفاتها ورحيقها
وعبيرها ولونها وذوقها... عندها تكون خلقت شخصية تحمل إسمها وعنوانها وثمارها
ومكانها وزمانها.فهكذا تكون مارست طقوساً أو نظام شعائر الله الدينية.وتكون هذه
الشخصية التي خلقتها النفس الخاصة بها،متّصلة ومترابطة ومتلاصقة ومتعاونة في
التكوين العام الثابت.
لذلك،الله لا ينظر إلى أخطائكَ، بل
ينظر إليك من ستكون، وهل ستبقى ضمن شريعته الدينية ،لتتواصل وتخلّد في التكوين
العام؟
إذا ما دام لكم نظام تكويني اختياري خاص
تقوم به النفس لذاتها، لم أنتم بحاجة لإنتماءات مذهبية ولعقيدة طائفية وممارسة
طقوسها؟!!
الله وضع شريعة لنظامه الكوني،بينما
النفوس وضعت قوانين لنظامها العقائدي، الطائفي، المذهبي... فتكون لها طقوس خاصة بها
خارج اطار النظام التكويني. كالذي يتزوج ضمن طائفة ما، تكون له طقوس عقائدية
ومذهبية معينة وهذا ليس من ضمن النظام الكوني.
وهذا يعني بأنكم ترفضون النظام الكوني في الزواج، وتقبلون وتنجرفون
إلى طقوس طائفية خارجة على النظام الكوني للشريعة.ما دام جميع المخلوقات تسير بحسب
النظام الكوني ،فلمَ النفوس تقلق في أن تتبعه؟ وما دمتم تؤمنون بأن الله رحوم،
فلِم لا تتزوجون بحسب نظامه الكوني؟ وما دام هو خالقكم وهو مدبر أموركم، فلِم
تنجرفون إلى الطوائف؟
ولكن بالرغم من كل هذا ،الله لا ينظر إلى أخطائكم، بل إلى من
ستكونون.
إذا كما توجد شجرة ليمون وتثمر ليموناً
وهذه شريعتها في الإنتاج، هكذا يوجد إنسان ويثمر طبيب، مهندس، فلاح، نجار...وهذه
شخصيتهم في الإنتاج،وهكذا يزاولون أي يمارسون أعمالهم ،وهذه الأعمال هي طقوس
الشعائر الدينية ،يقومون بها يومياً والكل يخدمون ويكونون لبعضهم البعض.
إذاً لا يمكن أن تقول كلمة
"أنا" قبل أن تخلق شخصية خاصة بك،وتلبس أو تتزيا بأعمال وتصرفات
"الطبيب"بعدها تقول ،مثلاً: "أنا طبيب"، أنا زوج، أنا
أم....وهذا ليس كبرياء كما يقال، بل لاثبات وجود الشخصية التي خلقتها بذاتك.
وعندما تخلقها بذاتك تبدأ بممارستها يومياً بحسب الطقوس الشعائر الدينية والتي هي
الشرائع الروحية في المهن والمواهب والهوايات...
الله خلق كل ما يحتاجه الإنسان، لكي يخلق
من نفسه الإنسانية "الأنا"،عندها سيقول "أنا هو الطبيب" ،لأنه
كوّن شخصية بإرادته وبإختياره ،وهذه شريعة الحرية المكتسبة من الله.
لذلك، ليس بترداد الصلوات تكون مؤمناً
وتحب الله، بل بتكوين شخصية تخلقها، والذي لا يكون له ثمرة لوجوده فأنه يُقطع من
الأرض.
لذلك كل ما يأتي خارج نطاق شرائع النظام
الكوني لا يُعدّ متديّناً.
ولكي ننظر الى كل الامور بجدية وفهم ويقظة
وإدراك ومعرفة لهذه الحقيقة ،سنتابع سوياً البحث عن كيفية تكوين النفس ذاتها من
شرائع المواهب الروحية.
تابع.